الثلاثاء , 26 تشرين الأول , 2021 :: 7:21 م
الاعلامي محمد وشاح يكتب:بمناسبة الذكرى التاسعه .. بصمات وطنية لأب راحل


جبال البلقاء الاخباري(بقلم الإعلامي:محمد الوشاح): منذ صحوتُ في طفولتي كان والدي جندياً في الخطوط الأمامية الأولى في الضفة الغربية في مواجهة الجيش الاسرائيلي قُبالة القدس ورام الله ونابلس وقلقيلية وغيرها من المدن الفلسطينية ، وقد شاءت العناية الإلهية أن ينجو لعدة مراتٍ من رشقات الرصاص التي كان يطلقها الجيش الإسرائيلي باتجاه النقاط العسكرية الأردنية المتقدمة ، وبعد ان أنهى خدمته التطوعية في الحرس الوطني التحق بالأمن العام ثم انتقل في أواخر الخمسينات لدائرة الجمارك حيث عمل فيها لأكثر من ثلاثين عاماً ، ولم أذكر في حياتي أنه أحضر يوماً هدية لقاء خدماته للجمهور عبر المراكز الجمركية .. كان راتبه الشهري معدوداً بالقرش والدينار ، واذا طرأتْ مثلاً زيادة على فاتورة المياه اختلّت معادلة الراتب ، فيكون التعويض عن ذلك بتقنين المشتريات الخاصة بمستلزمات الأسره .

وفي حرب حزيران 1967 التي ألحقتْ أكبر نكسة بالأمة العربية ، كان يتمنى لو بقي جندياً ليؤدي واجبه في الدفاع عن الاردن وفلسطين ، حيث عايش بتوتر شديد وقائع ومجريات تلك الحرب الأليمة لحظة بلحظة ، وأذكر أنه يوم السابع من حزيران أي ثالث أيام الحرب قام بدفن شهداء الجيش العراقي بمفرده في مقبرة النبي جاد بالسلط بعد أن صلّى عليهم ، وذلك إثر تعرّض قافلتهم العسكرية المتوجهة الى الضفة الغربية لغارة جوية في منطقة وادي شعيب ، كما قدّم بيته مجانا كقاعدة للفدائيين عقب معركة الكرامة الخالدة ، وسكن فيه ياسر عرفات ورفاقه لنحو سنتين ، وحينما التقيتُ ابا عمار في مكتبه برام الله عام 2004 سرد لي الكثير من ذكرياته في السلط ومع الوالد بالذات وحمّلني سلاماً له .

وهكذا أمضى والدي الحاج عبد الفتاح محمود الوشاح سبعة وثمانين عاماً من عمره نقي السريرة وعفيف النفس وطاهر اليد ، وملتزماً بقراءة القرآن ومؤدياً للفرائض الخمس وواصلاً للأرحام وأنيقاً في لباسه وقريباً من معارفه بكافة مناسباتهم ، فعمل لآخرته بطاعة ربه ووالديه ، كما عمل لدنياه في عمل الخير وإصلاح ذات البين ، حتى اعتاد أهل السلط والبلقاء على حضوره الدائم في العطوات والتعازي والجاهات ومختلف المناسبات . 

وفي سنواته الأخيرة قبل وفاته يوم السابع والعشرين من شهر تشرين أول من عام 2012 م ، كان يتألم لعدم مقدرته على مشاركة الأقرباء والأصدقاء أفراحهم وأتراحهم بعد أن أقعده المرض ولزم الفراش ، لكنه كان حريصاً طوال الوقت على متابعة الأخبار من خلال المذياع الذي لازمه ولم يفارقه لحظة واحدة ، وأكثر ما كان يؤلمه احتلال القدس وأحوال

 العراق بعد الاحتلال الأمريكي ومصير رئيسه الراحل صدام حسين والحروب الأهلية في الوطن العربي والاقتتال بين الأشقاء العرب ، رحم الله والدي ووالدتي مع دعواتي لرب العزة أن يغفر لهما ويسكنهما جنات النعيم .