الثلاثاء , 23 تشرين الأول , 2018 :: 10:07 ص
إدارة الحياة بكثرة الحلف والدعاء على النفس..مفتي البلقاء د هاني خليل عابد

جبال البلقاء الاخباري: نسمع العديد من الناس يدير حياته مع الآخرين من أهل بيت ،أو مجتمع ،أو مع من يتعامل معهم بكثرة الحلف ،وربما يصل الأمر إلى الدعاء على النفس بالهلاك ، والمكثرون من الحلف تختلف مقاصدهم ،والتي سيأتي بيانها في هذا المقال ، فمقاصدهم شتى ولكن يجمعهم الغفلة عن اليمين وعظمته ، ،فلا يحتاطون لأنفسهم ، بل يحلفون اليمين في كل صغير وكبير ،مع أن الأصل التزام قوله تعالى :{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج (32) ] والآية وإن كانت في الحج فهي تشمل مفردات الشريعة بأسرها ،ومن أهمها الأيمان التي يحلف بها البعض في مجالاتٍ متعددة ومنها 

أولاً :مسألة استعمال اليمين في التقاطع والتدابر : الأصل في العلاقات الأسرية والمجتمعية أن تقوم على المودة والتآلف ،فلا يليق معها التقاطع والتدبر ، ،ففي لحظة خلاف مع أهل بيته، أو أخيه، أو جيرانه ،يشتد غضبه ،فيحلف أقوى الأيمان بالله على تأكيد القطيعة ، ،متناسياً أن الله يريد منا أن نكون كالجسد الواحد، ولا يرضى لنا أن نحلف به لنتباعد ونتفرق ،قال تعالى وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة224 ) قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَلَّا يَصِلَ قَرَابَتَهُ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا فِي التَّكْفِيرِ، وَأَمَرَهُ أَلَّا يَعْتَلَّ بِاللَّهِ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ(تفسير القرطبي) والمخرج من هذا كفارة اليمين ،وإصلاح ذات البين"فلا  تَجْعَلُوا الْيَمِينَ بِاللَّهِ قُوَّةً لِأَنْفُسِكُمْ، وَعُدَّةً فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الْبِرِّ"(تفسير القرطبي )

ثانيا : استعمال اليمين في المجال الاقتصادي : ما زالت العديد من الأشياء الثمينة كالسيارات ،أو الألبسة ,نحو ذلك من الأشياء التي يتحاور فيها البائع والمشتري حول السعر ،والتي الأصل أن يراعي فيها الطرفان أخلاق التجارة ،والمعاملات ومن ذلك ما أشار إليه الحبيب المصطفى بقوله: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»(رواه البخاري) وفيه: الحضُ على السماحة وحسن المعاملة، واستعمال معالى الأخلاق ومكارمها(شرح البخاري لابن بطال )،ولا بد من الحذر من استعمال اليمين في الترويج للسلع، ففي الحديث الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ»(البخاري ومسلم) وفيه النهي عن كثرة الحلف في البيع فإن الحلف من غير حاجة مكروه ، وربما اغتر المشتري باليمين (شرح النووي على مسلم) والحل التزام المصداقية ومعايير الجودة ،والبعد عن التدليس وأكل أموال الناس بالباطل .

ثالثاً: الامتناع عن بعض السلبيات بالدعاء على النفس مما يلجأ إليه البعض ليكفوا أنفسهم عن بعض العادات السلبية ،محرمة كانت ،أو غير صحية لهم، أنهم يحلفون أن لا يعودوا لفعلها ،ويزيدون على ذلك بالدعاء على أنفسهم بالموت إن رجعوا إليها ، ثم لا يلبثون إلا يسيراً ثم يرجعون عن عهدهم ،ويصبح كل همهم أن يجدوا مخارج لأيمانهم ،وأما معاناتهم فتبقى ملازمة لهم ، مع أن الأصل هو التفكير في التوبة والإقبال على أسبابها ،والأخذ بالبرامج العلمية التي تساعد في التخلص من العادات غير الصحية مثلاً ، كالتخلص من الوزن الزائد فيحلف أن لا يأكل بعض الأطعمة من باب الحمية ،وربما دعا على نفسه بالموت إن أكلها ،ولا تعجب مما تقرأ أخي الكريم ،فللناس في هذه الأيام مقاصد يركبون الصعب والذلول لتحقيقها ،نقول لكل امرئ ما نوى، ولكن فلنتأدب مع الله ولنعالج أحوالنا بالشرع ،ولنأخذ بأسباب العافية قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي "(رواه البخاري) فلا يقبل الدعاء على النفس بالهلاك فمن المقرر شرعاً المحافظة على النفس و تَجَنُّبُ الْمُهْلِكَاتِ وَالدُّعَاءُ بِطَلَبِ الْعَافِيَةِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ(فتح الباري لابن حجر)