الثلاثاء , 17 أيار , 2022 :: 2:38 م
الانتفاع من دلالة النص الشرعي...د هاني خليل عابد

جبال البلقاء الاخباري: شرح النووي على مسلم نموذجاً
د هاني خليل عابد
أكرم الله العالمين برسول هو رحمة للعالمين ، سيدنا محمد  صلوات الله عليه ، من عمل على تبليغ الرسالة ، وأداء الأمانة ، وأعطي جوامع الكلم ، وأوتي الحكمة وفصل الخطاب ، وكلامه على الدوام صدق وصواب .
ولما منحه الله ما منح من العطايا والمكرمات التي لم يدركها سابق ولا لاحق ، يسر الله له أتباعاً ومؤمنين أدركوا عظيم رسالته ، وكان من لوازم ذلك أن أحدهم كان يعرف متى يتكلم ، ومتى يسكت ، وأن يتعاون مع أولي الأبصار والفهم ، في استخراج الدر المكنوز في النص الشرعي ، وهذا الجهد أبرز للعالمين أن الخطاب الشرعي ليس منغلقا ، بل كلما أقبل العقل عليه نال من عطاياه ، واستمد منه ما ينفعه في دنياه وأخراه ، وبهذه الطريقة أقبل الناس على الإسلام ؛ لأنهم وجدوا فيه ما يغنيهم .
ولكن برز في قرون خلت وحتى في زماننا المعاصر من يهاجم النص الشرعي ويقف مع ظاهره ، دون أن تكون لديه علوم الآلة من علوم اللغة والفقه ، فلم يقف على مقاصد النص فراح يعارضه ، وبالمقابل هناك من يحب النص الشرعي لكنه لا يعرف ناسخاً ولا منسوخاً، ولا مواضع العام والخاص ، ولا المطلق ولا المقيد ، فأخذ بالظاهر وتبنى أضيق الفهم ، وركب الصعب والذلول ليسلك الناس معه مسلكه الضيق .
والمخرج مما مر من العلل السابقة هو طلب العلم ، وتثقيف العقل ، وسؤال أهل التخصص في كل مجال ، ففي مجال الحديث نصيحتي لطلبة العلم بقراءة فتح الباري للحافظ ابن حجر ، أو الاستذكار لابن عبد البر ، أو عمدة القاري للعيني ، أو شرح مسلم للنووي ، وغيرهم الكثير من أهل العلم ، لندرك موسوعية هؤلاء ، وإعمالهم العقل  في الاستنباط ، وفهم المقاصد ، وسأعرض كمثال سريع كلام النووي في شرحه على مسلم ، حول ما رواه عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» ، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ " ( رواه مسلم) قال النووي رحمه الله 
هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها 
1-بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، واعتنائه بمصالحهم ، واهتمامه بأمرهم .
2-ومنها استحباب رفع اليدين في الدعاء .
3-ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة زادها الله تعالى شرفا بما وعدها الله تعالى بقوله سنرضيك في أمتك ولا نسوءك 
4-وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها 
5-ومنها بيان عظم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى وعظيم لطفه سبحانه به صلى الله عليه وسلم 
6-والحكمة في إرسال جبريل لسؤاله صلى الله عليه وسلم إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه بالمحل الأعلى فسيرضى ويكرم بما يرضيه والله أعلم .
7-وهذا الحديث موافق لقول الله عز وجل ولسوف يعطيك ربك فترضى .
8-وأما قوله تعالى_ يعني في الحديث القدسي  _ ولا نسوءك  فقال صاحب التحرير هو تأكيد للمعنى أي لا نحزنك لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع والله أعلم ( شرح النووي على مسلم)  وبهذا تتعلم الأجيال التعامل مع النصوص بموسوعة حضارية تعتمد الضوابط العلمية ، وتتخلص بهذا من التحلل وما يقابله من التطرف