الإثنين , 11 شباط , 2019 :: 10:35 ص
المؤرخ والمفكر التونسي د. عبد الجليل التميمي يحاضر في منتدى الفكر العربي حول

جبال البلقاء الاخباري: استضاف منتدى الفكر العربي، مساء يوم المؤرخ والمفكر التونسي أ.د. عبد الجليل التميمي في محاضرة نُظمت بالتعاون مع السفارة التونسية في الأردن بعنوان "ديناميكية الحركة الإصلاحية بتونس خلال القرن التاسع عشر في اتجاه مواكبة العصر والفعل في التاريخ"، تناول فيها التحولات الفكرية والسياسية والحضارية وما تبعها من تحولات في المجتمع التونسي، ودور الإصلاحيين التونسيين في التحديث والتنوير على الساحة التونسية وفي العالم العربي والإسلامي، وما انبنى عليها في العصر الحديث من علاقات مع أوروبا، وقد أصبحت تونس منذ ذلك الحين مقصداً للأطباء والمهندسين والتجار والرحالة والمستكشفين والمغامرين، وافتتحت بها عدة قنصليات غربية آنذاك.

حضر اللقاء السفير التونسي السيد خالد السهيلي، الذي ألقى كلمة شكر فيها المنتدى ورئيسه سمو الأمير الحسن بن طلال مشيداً بإسهامات المنتدى ونشاطة المتميز في مجال تشخيص الأوضاع الراهنة في العالم العربي وكذلك في بلورة الفكر العربي المعاصر والحلول لقضايا التنمية المستدامة، وأشار إلى أن د. التميمي معني بالتاريخ التونسي كما بتاريخ البلاد العربية والإسلامية. كما حضر اللقاء أعضاء السفارة وجمهور من أعضاء المنتدى والأكاديميين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني والدبلوماسيين والإعلاميين، وأدار اللقاء الأمين العام للمنتدى والوزير الأسبق   د. محمد أبوحمور، الذي أشار في كلمته التقديمية إلى تميز العلاقات الأردنية – التونسية على جميع الأصعدة والتي احتفل في العام الماضي 2018 بمرور 60 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية فيها بين البلدين، كما أشار إلى عمق الصلات الثقافية بين البلدين.

وقال د. محمد أبوحمور: إن التجربة التونسية الوطنية الإصلاحية والفكرية من التجارب العربية المتميزة، وتمثل تاريخياً إحدى أهم التجارب النهضوية العربية في العصر الحديث وعبر مراحل مختلفة. وهذه الخبرة التاريخية الثقافية لا بد من دراستها والتمعن في جذورها، بما فيها خصائص الفكر الإصلاحي في مراحل مختلفة، ودور الحركة الثقافية والفكرية في تونس التي تعد رافداً قوياً في النهضة العربية الفكرية بما لها من عمق حضاري. وأضاف أن التجربة التونسية الوطنية قدمت نماذج مشرقة في ثقافة الحوار والتجديد، وتفضيل الديمقراطية والمسار السلمي والمنهج الوسطي، وقبول الآخر على مبدأ الاحترام المتبادل، وبناء المؤسسية في المجتمع المدني، التي جنّبت تونس مع نشوب أحداث الربيع العربي وعبر "رباعي الحوار الوطني"، العنف والدمار، وأثبتت التجربة نفسها أن المواطنة الفاعلة والمشاركة والتوافق الوطني سبل كفيلة بإيجاد الحلول للأزمات.

وفي محاضرته أكد أ.د. عبد الجليل التميمي أن عدة عوامل كانت وراء السبق في انطلاق الحركة الإصلاحية بالإيالة التونسية في العهد العثماني، من بينها الزيارة التي لباها والي تونس أحمد باشا باي إلى باريس، وهي أول زيارة لمسؤول سياسي مسلم إلى دولة أوروبية في منتصف القرن التاسع عشر، حيث أطلع مباشرة على الإنجازات الحضارية بفرنسا. كما أن إقامة الوزير والمصلح التونسي خير الدين حوالي ثلاث سنوات بفرنسا مكّنته من فهم كيفية عمل مؤسسات الدولة الحديثة ومن بينها القضاء، والأسس التي يقوم عليها المجتمع وما ينظمه من مبادئ العدل والحرية، وهذه الفرصة لم تتح لأي قيادة عثمانية أو عربية أخرى، وهو ما بوأ خير الدين مكانة متميزة في صياغة برنامج متكامل للإصلاح أتيحت له الفرصة لتطبيقه.

وأوضح المؤرخ د. التميمي أن الموجة الإصلاحية الأولى في عهد أحمد باشا باي (1837- 1855) كان محورها الأساسي التحديث العسكري، وفي إطاره تم إنشاء المدرسة الحربية بباردو التي كانت عبارة عن مشتل تغذت منه الحركة الإصلاحية وتخرج منه عدد من الإصلاحيين التونسيين، كما كانت مكانًا للتلاقح الحضاري من خلال حركة الترجمة، وبالموازاة مع ذلك تم الاهتمام بالتحديث الاجتماعي من خلال إصلاح التعليم العسكري والزيتوني معاً، وتم في  23 كانون الثاني 1846 اتخاذ قرار بإلغاء الرق في تونس وهو قرار غير مسبوق على مستوى العالم الإسلامي.

وأضاف د. التميمي أن هذه الحركية توّجت تلقائياً بإعلان عهد الأمان سنة 1857 خلال عهد محمد باي، وهو ما يعد توطئة للدستور الذي أعلن بعد أربع سنوات في عام 1861، وكان أول دستور في العالم الإسلامي، ويعد استجابة لما نادى به الإصلاحيون التونسيون لوضع حد للحكم المطلق وغير الصالح للبلاد، وأن العمران البشري يستند أساساً إلى الحكم المقيد بالقوانين.

وأشار د. التميمي إلى أن الموجة الإصلاحية الثانية كانت على يد المصلح خير الدين التونسي الذي يعتبر بحق شخصية استثنائية تجاهلها المؤرخون العرب، وكان دورها الطلائعي والوازن في مسار إدارة الدولة التنويرية وفي غرس مضامين الحداثة مغاربياً وعربياً وإسلامياً، وقد أمكن له أن يجمع بين ما هو نظري وما هو تطبيقي، إذ كتب حول الإصلاح كتابه "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" بما يعكس عمق ووجاهة تفكيره، ثم تقلد الوزارة الكبرى وأمكن له أن يقوم بسلسلة من الإصلاحات على رأسها بعث المدرسة الصادقية التي تشكل الخيط الرابط بين ذلك الجيل الإصلاحي والأجيال اللاحقة التي تلقت تعليمها في الصادقية. وخير الدين نفسه لجأ إليه مركز الدولة العثمانية ليتم تعيينه صدرًا أعظم وهو أعلى منصب سياسي يتولاه لأول مرة رجل دولة من خارج المركز أي من تونس إحدى الإيالات العثمانية.

واختتم د. التميمي محاضرته بالقول : لقد شهدت تونس على امتداد عدة عقود من القرن التاسع عشر ديناميكية إصلاحية لم تتوقف، هدفها الانخراط في روح العصر والفعل في التاريخ.

والجدير بالذكر أن المؤرخ د. التميمي معروف بإنجازاته العلمية العديدة  في التعليم والميدان الأكاديمي، وفي البحث التاريخي العربي، والدراسات العثمانية، والثقافة والفكر العربي المعاصر، والتوثيق والأرشفة العلمية، عبر أكثر من 50 عاماً، وإنشاء "مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات"، وإصدار 3 ثلاث دوريات أكاديمية عنها، أبرزها "المجلة التاريخية المغربية" التي اختتمت مؤخراً عامها 46 السادس والأربعين، ونشرت 1800 ألف وثمانمائة دراسة أكاديمية عن تاريخ المغرب العربي. وغير ذلك من كتب وبحوث ومشاركات عربية وإسلامية ودولية.