الثلاثاء , 14 كانون الثاني , 2020 :: 9:22 ص
عَوَضنا في عَوَض!

جبال البلقاء الاخباري - كتب علي أحمد الدباس:

 

لم استطع أبداً الا ان أقرأ عشرات المرات ودون ملل؛ خبر إيواء احد المواطنين لسيدة وأطفالها في جزء من بيته لله عز وجل ودون مقابل بعد ان رآها تخرج منكسرة من أمام احد الدوائر الحكومية المعنية بالتنمية الاجتماعية وحماية الفقراء!

 

المواطن الكبير في نبله "عوض باكير" صفع الضمير النائم في دواخلنا بقوة؛ صدمنا بإيجابيته المفرطة بالكرم؛ أفاقنا بنخوته المفعمة بالأصل والطيب؛ وأرانا عيوبنا دون مرآة حين وقفنا امام نبله وكرمه وعطائه اللامحدود!

 

قد تكون وزارة التنمية والحكومة والجهات الخيرية لم تلبي طلب السيدة لأسباب وجيهة وقانونية؛ أو لوجود أسر محتاجة أكثر؛ أو لتقصير فعلي حقيقي ؛ لكن عوض الذي يعرف معنى الفقر جيدا كذب كل الباحثين الاجتماعيين وتعامل بفطرته؛ بإنسانيته؛ برقيّ روحه وسموّها ؛ ودرس الحالة بمجهر قلبه الأبيض ؛ ونظر اليها بعين المعدن الطيب الأصيل ؛ ولم يحتاج الأمر عنده لدراسات وابحاث؛ بل برقة قلبٍ نظيفٍ قرر فورًا: منح السيدة جزءا من بيته الذي اعتاد تأجيره لتسكن به هي وأطفالها مجانا مدى الحياة!

 

يقولون ان عوض يعمل عامل وطن ؛ ويخجلون من تسميته "عامل نظافة" مع أنه في الحقيقة "داعية للنظافة والإيمان والطهر" .... عوض نظّف قلبه من كل عقد الحياة قبل ان يخرج للشارع لتنظيفه ! عوض طهّر نفسه من زيف النفاق الاجتماعي قبل ان يخرج للشارع الذي أثقلته تصرفاتنا وبعدنا عن أنفسنا!

 

يقولون ان عوض نفسه فقير؛ وأنه قال حينها ( لا يشعر بالفقير الا من ذاق الفقر ) أتصدقني يا عوض إن أقسمت لك اننا نحن الفقراء وأنت الغني؟ نحن الفقراء لاننا لا نملك جرأة عطائك ولا صدق بذلك ولا قلبك النابض بالمحبة والخير والبركة ! فمهما بلغ معنا المال مبلغاً لن نبلغ درجة غناك وأنت تستغني وتستعفف عن الدنيا وزخرفها لتستر سوءاتنا جميعًا!

 

عوض؛ أنت عوضنا عن كل ما أصابنا من بيروقراطية الحكومات المتعاقبة؛ أنت عوضنا عن زيف مظاهرنا الخادعة؛ أنت عوضنا عن تمثيليات حملات الخير ؛ أنت عوضنا عن مسرحيات الأمان الاجتماعي الكاذب؛ أنت عوضنا عن التقصير الرسمي والشعبي بحق الناس؛ وأنت عوضنا عن المحبة التي فقدناها ؛ وأنت عوضنا عن البركة التي تركناها فتركتنا !

 

آه يا عوض .... فقد كتبت اسمك مع أطهر الناس حين تبرعت بنصف ما تملك؛ هكذا دفعة واحدة وبقرار واحد بلحظة واحدة ! قبل عقود كان كل الأردنيين مثل عوض؛

واليوم أصبح هو عوضنا الوحيد عن أخلاقنا التي فقدناها!

 

عوض يستحق التكريم؛ وأجره عند الله أكبر من أي تكريم له؛ لكن انموذجٌ يستحق التشجيع ... عوض يستحق ان يخلد اسمه في الذاكرة الشعبية؛ وان يسمى باسمه أعلى وسام في الاردن يمنح لأصحاب العطاء المميز من أمثال عوض! عوض يجب ان يُدَرّس في التربية الاجتماعية والوطنية ؛ عوض هو ملخص لكل الخطب الدينية ومحاضرات الأخلاق ووصفات التكافل الاجتماعي الحقيقي!

 

عوض أنت فعلاً عوضنا عن كل من خان الأمانة وسرق البلد وقصّر في المسؤولية حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه ؛ وكانت فعلتك هي البوق الذي لا يمكن معه الان ان نستيقظ من غيبوبتنا الفكرية ومتاهتنا الأخلاقية وأنانيتنا المادية ....

 

عوض ... كثّر الله من أمثالك؛ وزادك بالخير من نعيمه؛ وعوضك عنا كل خير!