جبال البلقاء الاخباري: يتناول فيلم “سجينة” لمخرجته برنادين توزا ريتر أحدث صور العبودية وتجارة الرق في عصرنا الحالي، من خلال امرأة أمضت عشر سنوات من حياتها “عبدة” لدى عائلة هنغارية.
الفيلم الذي عرض في إطار أيام مهرجان الإسماعلية في عمان في دورته الخامسة، أول من أمس، يغوص في عمق ما عايشته ماريشا وتفاصيل حياتها اليومية، وهي تروي ما مرت به أمام كاميرا ريتر، فتبدو بشرتها شاحبة، والتجاعيد تملأ وجهها، ولديها أسنان مفقودة؛ حيث أخذ منها أصحاب المنزل أوراقها الثبوتية “الهوية”، وقاموا بمنعها من المغادرة بدون إذن منهم. فهي شخصية من الصعب أن تصدق بأنها موجودة في القرن الحادي والعشرين، ولكن الواقع دائما ما يكون أسوأ.
صاحبة المنزل تظهر في الفيلم فخورة بنفسها، تدعى آيتا، لم يظهر وجهها، ولكن صوتها كفيل بالتعبير عن تلك الشخصية الديكتاتورية التي تلقي أوامرها وتهدد وتتوعد، وتمارس كل أشكال الحرب النفسية وهي تروي كيف تعاملت مع ماريشا، وكسرت ذراعها كنوع من أنواع العقاب.
يروي الفيلم تفاصيل مؤلمة، وفي الوقت ذاته يثير الدهشة والتساؤل عن الوحشية التي يمكن أن تسكن نفوس البشر أحيانا من جهة، وما الدافع الذي جعل ماريشا تبقى على صمتها ولا تغادر، لم لا تخرج من الباب ببساطة ولا تعود؟، هنا وضعت ريتر كاميراتها بشكل مباشر لتلتقط إجابات لكل ما يجري.
الشهادات الحية لشخصية فيلمها المحتجزة تغوص في عقد من الزمان للتجربة التي عايشتها ماريشا وسط كآبة قمعية، وأسرة شريرة أفقدتها حياتها الخاصة، وتكشف شعوها بالخيبة والإحراج وحتى الذل لسيدة في الـ53 من عمرها، كما أنها تعمل أيضا في دوام جزئي في مصنع، وتتقاضى أجرا زهيدا.
“العبودية المعاصرة”، التي تنتشر في المجر وعدد من الدول الأوروبية تمثل الشر الحقيقي في العالم اليوم، كما قدمتها ريتر، بشكل تقشعر له الأبدان، لا تقدم شيئا غير أخلاقي، خاصة حين تقول صاحبة المنزل آيتا إنها تقاضت من المخرجة ريتر 370 يورو مقابل أن تصور في منزلها، وهنا يلعب حضور المخرج في مثل هذه الحالات دور الرابط بين السيدتين.
الإيقاعات في الفيلم تجعل المتلقي مشدودا وهو يعيش لحظات من الرعب التي مرت بها ماريش في سردية لا تخلو من العاطفة التي تتدفق، ولكن بحزن وغضب لما يمكن أن يحمله البشر في داخلهم من شر.
وبعيدا عن المقاربات الخيالية في السينما، هنا نموذج حقيقي للشر، بمعايير قوية، ذكية، عبر تجربة ذاتية تروى عن قرب لامرأة خسرت حياتها، وهي تعمل 20 ساعة في خدمة عائلة يوميا طوال 10 أعوام.
الكاميرا المحمولة استخدمتها ريتر لتلتقط عن قرب تعابير وجه ماريشا، وهي تجيب عن الأسئلة قبل أن تقرر الهروب، فبات من الصعب تقبل وجود هذه القضايا، ولكن هناك إحصائيات تؤكد أن هنالك 1.200000 في أوروبا ضحية لمثل هذا النوع من العبودية وأشكال أخرى، ووفقا للإحصاءات المقدمة في هذا الفيلم الوثائقي، كما أنه في الوقت الحاضر هنالك حوالي 45,000,000 شخص مستعبد في جميع أنحاء العالم.
ما ترويه ماريشا من رحلة وتفاصيل موجعة يلقي الضوء على أهمية هذه المواضيع التي تتعامل معها السينما كقضايا إنسانية تتطلب حلا فوريا، وتلعب دورا في السياسات أيضا، وتلفت النظر لوجود شراكات متواطئة في كل مكان تجعل تجارة الرق أمرا مؤسسيا.
ويبقى الدور الذي يمكن أن تعلبه مثل هذه الأعمال هي تشكيل قوة للتحرك؛ حيث خلق الفيلم صدمة في موطنه، والمهرجانات التي عرض بها، للتأثير الذي حققه بعودة ماريشا لوطنها الأصلي حرة.. نهاية سعيدة ما يزال الآلاف يحلم بها.
هذا وفاز فيلم “السجينة” بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة في مهرجان الإسماعيلية الدولي وجائزة أثينا الذهبية لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان أثينا السينمائي الدولي، وجائزة حقوق الإنسان في مهرجان دوك فيست الدولي للأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة، وجائزة أفضل وثائقي في مدينة سبا في مهرجان هوت سبرينغز للأفلام الوثائقية. كما ترشح لجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان سندانس السينمائي، وجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان شيفيلد الدولي للأفلام الوثائقية جائزة ReelWomenDirect للتميز في الإخراج من قبل امرأة في مهرجان كليفلاند السينمائي الدولي.