الخميس , 15 تشرين الثاني , 2018 :: 8:35 م
عالمنا إلى أين:د.علي الصلاحين
جبال البلقاء الاخباري: الاستنتاج الذي خلص له 500 رجل سياسي من روّاد النشاط الاقتصادي والعلمي في العالم وذلك سنة 1995 تحت إشراف مؤسّسة غورباتشيف. فلقد أقرّوا بصفة قطعيّة ولا تقبل النقاش أنّ القرن الجديد سيحتاج فقط لعُشُرَيْ سكّان العالم وذلك للحفاظ على النشاط الاقتصادي. على ضوء هذا التقرير يصبح السؤال الملحّ هو .ماذا سنفعل بـ80% من سكّان غير المجديين.
هل سنتخلّص منهم؟ هل سنعدٌ لهم برامج خاصّة وهل سيمثّل هؤلاء وزرا على الأقلّيّةالفاعلة أخيرا تذكر برجنسكي مستشار الرّئيس الأمريكي الاسبق جيمي كارتر للحلّ. إنّه على حدّ تعبيره The tittaynment أي لنتركهم وشأنهم. تقتضي هذه الخطّة صياغة وصفة خاصّة للأغلبيّة تكون خليطا من اللّهو الفارغ وبلادة الذّهن وتوفير الوجبات السريعة وذلك كي يحافظ هؤلاء الزائدون على بشاشتهم وإحساسهم بالغبطة في عالم يعرف تثبيط المعنويات والإحباط. لنجعلهم يعيشون في زهو وذلك عملا بالمثل العربي المعروف : « وأخو الجهالة في الجهالة ينعم ».
كيف سيكون نظام التعليم وبلغة الاقتصاد كيف ستكون شروط تحصيل المعرفة التي ستخصّص لكلّ فئة من هؤلاء.بطبيعة الحال لكلّ نصيبه وحظّه وحصّته، فلا يمكن أن نساوي بين من فاز سهمه من المعارف والحكمة وبين من فاض جهله. فالكثرة لأصحاب العقل أمّا الفتات والنزر فالجاهل من أراد المعرفة الراقية عليه بالوجاهة والنباهة وأن يشدّ الرّحال إلى المراتب العالية، أمّا الخَامل فلا أمل له باللّحاق بركب العلوم المعاصرة والنهل من المعارف الجديدة. كيف تتجسّد هذه الخطّة الحكيمة يقول برجنسكي أوّلا : علينا تعريف الامتياز أي هؤلاء الذين بمقدورهم الحصول على المعرفة الدّقيقة والخلاّقة والذين يتميّزون ببعد النّظر وبقدرة على إعمال الفكر والتمحيص والابتكار وهؤلاء يمثلون على أقصى تقدير 5% من سكّان المعمورة.
ثانيا : بالنسبة لأصحاب القدرات الذهنيّة المتوسطة علينا إعداد معارف سريعة التآكل (jetables) وغير ذات جدوى بحيث يتأقلم هؤلاء مع المعارف المتوفّرة ويتقبلونها في كلّ مرّة. هؤلاء لن يطالبوا بالابداع والابتكار ولن يسمح لهم باستقلال الفكر بل بالحفظ والاستجابة والتطبيق. يمكن لهم أن يحصلوا على معارفهم بواسطة تقنيات الاتصال والإعلام. ثالثا : أخيرا وبالنسبة للأغلبيّة المتبقيّة أي هؤلاء الذين لا يستقرّون عل علم أو مهنة أو اختصاص والذين لا يمثلون سوقا مربحة والمعرّضين للتهميش بأعداد متزايدة فإنّه من غير المجدي أن نقدّم لهم معارف ومعلومات لأنّ ذلك سيكون شديد الكلفة ولا طائل منه بل قد يمثّل ذلك خطرا على استتباب الأمن الاجتماعي.
لهؤلاء « تعليم الجهل » على حدّ قول الفيلسوف « Jean Claude Michéa » . تحضرني في هذا المقام قولة شهيرة لفيلسوفنا العربي ابن رشد : « يجب أن لا نثبت التأويلات إلاّ في كتب البراهين لأنّها إذا كانت في كتب البراهين لم يصل إليها إلاّ من هو أهل البرهان .إذن هناك من الفئة العامّة التي لا رجاء من تثقيفها وإطلاعها على المعارف المتقدّمة. يقول المفكّرGuy.Debord يعمل المجتمع الجديد على تعليم العامّة العجز عن التفريق بين ما هو مهم وما هو تافه وغير ذي قيمة اذن علينا بتهيئة كل الظروف لترويج المعارف العلميّة والتقنيّة في أوساط النخبة التي ستكون الأداة الفعّالة لفرض منطق العولمة.
|