الإثنين , 18 تشرين الثاني , 2019 :: 9:37 ص
إشكالية الجهل بالدين - الدكتور محمد عبد العزيز ربيع -
جبال البلقاء الاخباري- يقول بعض الحريصين على الدين، ومنهم الدكتور محمد عابد الجابري، أن الاسلام لم يُفهم ولم يُطبق كما يجب في أي فترة من التاريخ. هذا الكلام يبدو منطقيا بالنسبة لمن يؤمن به فقط؛ إذ من شبه المؤكد أن يقول معظم شيوخ السلفية وأئمة الشيعة أن الشرائع التي يطبقونها تعكس فهما كاملا للدين. لكن الأحكام التي يتبناها السلفيون تختلف عن الأحكام التي يتبناها أئمة الشيعة. وهذا يعني أن الأحكام المتباينة، بغض النظر عن مصدرها، تخضع لأهواء شخصية وأفكار عقائدية لا تنطلق من رؤية واحدة.
من ناحية ثانية، إن أزمة الجهل بالقراءة والكتابة المزمنة بين المسلمين، وعُزلة معظمهم عن مراكز العلم والمعرفة تسبب في جعل ما تعرفه عشرات الأجيال عن الدين سطحيا وغير دقيق، تناقلها جيل من الجهلة عن جيل أكثر جهلا دون تفكير. ومن سوء حظ المسلمين أن أجهزة الراديو والتلفزيون جاءت قبل أن ينتشر التعليم في بلادهم، ما جعل الكلمة المسموعة والصورة المرئية تلغي الحاجة لقراءة ما تم تدوينه من كتب ذات علاقة بالدين. وتشمل الكتب المعنية قصص الفتوحات، والخلافات الفقهية والمذهبية التي تسببت في وقوع حروب عدة بين المسلمين، وقتل عشرات المفكرين وحرق بعضهم أحياء، وحرق عديد المكتبات، وهدم الكعبة واستباحة المدينة.
لقد جاءت الكلمة المسموعة عبر الراديو والتلفزيون في البداية تحت رعاية الدول، ما جعل كثيرا من القنوات الإذاعية والتلفزيونية بمثابة أبواق دعاية. ومع أن هذا كان تطورا سلبيا بحد ذاته، إلا أن اتجاه أثرياء إلى إقامة قنوات تلفزيونية خاصة بعد ظهور تكنولوجيا الأقمار الصناعية، جعل الفكر الديني الخاص بهم ينتشر في بقية بلاد المسلمين. إلى جانب ذلك، تقوم اليوم عدة جهات أجنبية ببث برامجها وسمومها عبر الاقمار الصناعية إلى كل بلاد العالم؛ ما جعل الأمور تسير من سيء إلى أسوأ. فمعظم الدول وشركات الإعلام الأجنبية لا تضمر للإسلام والعرب سوى الكراهية والعداء، إذ تقوم بتعزيز الجهل والاسهام في تزييف وعي جماهير المسلمين.
نتيجة لهذه الأمور، يكمن القول أن معرفة ما لا يقل عن 90 % من المنتمين إلى الإسلام هي معرفة متوارثة تبتعد عن العلمية والحقيقة؛ إذ لم يُخضع هؤلاء معلوماتهم لعقل أو علم، ولم يكلفوا أنفسهم بقراءة كتب التراث والتاريخ والفتوحات والأحاديث والقرآن الكريم. وتكمن المصيبة الكبرى في أن كل جاهل من هؤلاء تقريبا يؤمن ايمانا قاطعا بأن ما يعرفه عن الدين يجسد كامل الحقيقة، وأنه على استعداد لتكفير من يختلف معه في الرأي.
وما دام انه انقضى اكثر من 1400 سنة على نزول القرآن من دون أن يُفهم ويطبق كما يجب، فقد وجب علينا أن ندرك أنه لن يُفهم ولن يطبق كما يجب في المستقبل لأن الخلافات في الرأي تتسع يوما بعد يوم. وهذا يجعل تعصب كل فئة لرؤيتها أمرا مقلقا للغاية قد يتسبب في نشوب حرب مذهبية جديدة تدمر ما تبقى لدى المسلمين من عقلانية وقدرة على التفكير. إن الحل الوحيد أمام المسلمين هو الاتفاق على مبدأ ان «الدين لله والوطن للجميع»، ما يجعل التدين أمرا خاصا يزاوله كل مؤمن بناء على فهمه للدين وعلاقته بالخالق، فيما يصبح الوطن قضية عامة تهم كافة الناس. إن الاقرار بأن علاقة كل مؤمن بربه هي علاقة خاصة لا يجوز لإنسان أن يتدخل فيها، يلغي حق كل مؤمن في فرض رؤيته على غيره من الناس، كما يلغي أهلية كل مؤمن في الحكم على صلاح غيره من المؤمنين.
الدكتور محمد عبد العزيز ربيع
|