Skip Navigation Links
الرئيسية
من نحن
اتصل بنا
ارسل خبر
                 الجمعة , 26 نيسان 2024 م
Skip Navigation Links
اخبار البلقاء
نبض الوطن
برلمانيات
رجال الوطن
اخبار المجتمع
عربي دولي
اخبار الرياضة
منوعات وفنون
واحة الايمان
واحة الايمان
الأربعاء , 06 شباط , 2019 :: 9:52 ص
المسلم كالنحلة..د. يوسف القرضاوي

جبال البلقاء الاخباري: إن المسلم الحق ليس ذنباً أو إمعة، يسير وراء الناس حيث ساروا، ويأخذ منهم ما خبث وما طاب، ولكنه يتطلع ويتوق ويرنو دائماً إلى الأحسن من كل شيء، وقد أثنى الله تعالى على المهديين العقلاء المبشرين من عباده، فقال: "فبشِّرْ عبادِ. الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هدى الله وأولئك هم أولوا الألباب" (الزمر: 17-18).

وهذا شأن المسلم مع الثقافات والحضارات، إنه يأخذ أحسن ما فيها، ويضمه إلى ما عنده، ويضفي عليه من روحه، ما يفقده جنسيته الأولى، ويغدو جزءاً من منظومة المسلم الثقافية.

إنه أشبه في صلته بالثقافات المتنوعة، بالنحلة، التي تعمل بهُدى وحي ربها إليها، وإلهامه إياها، تنتقل بين الأشجار والأزهار، تأكل من كل الثمرات الطيبة، سالكة سبل ربها ذللاً، ثم تمتص ما تأكله وتهضمه وتتمثله، ثم تحوله إلى شراب يخرج من بطونها مختلفاً ألوانه، فيه شفاء للناس.

وفي الحديث النبوي: "مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً" (رواه الطبراني وابن حبان وذكره الألباني في "صحيح الجامع الصغير").

وهكذا يستطيع المسلم الناضج الراسخ في إيمانه وعلمه: أن يقرأ ما شاء من الفلسفات، ويطلع على ما شاء من الثقافات، ومنها الثقافة الغربية الحديثة، ثم يقتبس منها ما يلائم عقيدته ومفاهيمه عن الوجود وعن المعرفة وعن القيم، وما يتفق مع نظرته إلى الألوهية وإلى الكون والإنسان والحياة والتاريخ.

فهو يأخذ ما يأخذ عن بينة.. ويدع ما يدع على بصيرة.

يستطيع المسلم الحق أن يقتبس ما يراه حقّاً من المنهج الشكي لديكارت، ومن مثالية هيجل، ومن مادية ماركس، ومن وضعية كونت، ومن نشوئية دارون، ومن تحليل فرويد، ومن مجتمعية دوركايم، ومن واجبية كانت، ومن تطورية سبنسر، ومن حدسية برغسون، ومن براغماتية جيمس، ومن عقلانية راسل، ومن تشاؤمية شبنجلر، ومن تفاؤلية توينبي، ومن وجودية سارتر.

يأخذ من هؤلاء ومن غيرهم ما يلائمه، ويدع ما لا يلائمه، يُدخِل هذا كله في مصفاة عنده للتنقية والتمييز، فيأخذ ما صفا من كل شوب، ويدع الشوائب والرواسب والكدورات، فموقفه موقف المتخير المميز بين ما يقبله ويعرفه منطق العقل، ومنطق الدين، ومنطق العلم، وما لا يقبله ولا يعرفه، فهو يرحب بالمعروف، ويعرض عن المنكر.

إن رفضنا للنظرية الكلية لبعض هؤلاء، مثل دارون أو كونت أو ماركس أو فرويد أو دوركايم، لا يعني أن يكون كل ما قالوه باطلاً، فليس هذا من طبيعة الأشياء، ولا من سنن الله في البشر؛ ولهذا لا مانع أن يجد المسلم في هذه النظريات بعض ما يفيده في تفسير بعض القضايا أو حل بعض المشكلات النظرية أو العملية.

إن المسلم إذا بلغ درجة من النضج والرسوخ لا يخشى عليه من أية مذاهب أو فلسفات يطلع عليها، كما لا يخشى على السباح الماهر، والغواص المتمرس، من نزول البحر أو السباحة فيه. إنما يخشى فقط على من لا يحسن السباحة، أو قليل الخبرة إذا خاض اللجج وهو غير متهيئ لملاقاتها.

كما أن السباح البصير ينأى بنفسه عن مواقع الخطر، والدوامات البحرية التي تبتلع من يقترب منها، مهما تكن مهارته، فهي كالوحش الفاغر فاه، أشبه بالحيتان الكبيرة وأسماك القرش ونحوها مما لا طاقة للإنسان به.

ومن هنا يستطيع المسلم المتمكن والمؤمن القوي أن يقرأ فلسفات الغرب، ويطلع على آراء فلاسفته، رغم اختلاف مدارسهم، وتباين توجهاتهم، ويأخذ منها ويدع، وفقاً لمسلماته الدينية والعقلية، دون أن يحكم في ذلك هوى متبعاً، أو تقليداً سائداً، أو ظنّاً لا يقوم على يقين، ولا يغني من الحق شيئاً.

ليس من الحكمة ولا من الصواب إذن أن نرفض - باسم الإسلام وبمنطق شريعته - الحقيقة؛ لأنها وجدت بين ثنايا الأباطيل، كالذي يرفض كل حكمة أو موعظة وجدت في كتب اليهود أو النصارى، أو وجدت في كتب الفلاسفة الماديين المنكرين للألوهية أو للنبوة أو للبعث، أو غيرهم من الفلاسفة والعلماء أصحاب النظريات المختلفة في تفسير نشأة الكون أو في تفسير السلوك أو في تفسير التاريخ، أو غير ذلك مما يتنافى مع وجهة الدين وفلسفته، أو مع شريعته وأحكامه.


التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك، ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر.
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات
أضف تعليقا
الحقول المسبوقة بعلامة (*) هي حقول إجبارية.
* الإسم :
البريد الإلكتروني :
* نص التعليق :
أرسل
2023 © جميع الحقوق محفوظة - موقع جبال البلقاء الاخباري

الموقع مرخص بموجب احكام قانون المطبوعات والنشر يمنع الاقتباس او اعادة النشر دون ذكر المصدر (جبال البلقاء الاخباري)،الاراء والتعليقات المنشورة تعبر عن رأي اصحابها فقط.