جبال البلقاء الاخباري:من الظواهر الغريبة التي بدأت تظهر على وسائل التواصل ، عرض آراء في مسائل شرعية ، يتسع فيها القول عند الفقهاء ،والذين درسوا أصول الفقه وقواعده ، ولم يسلكوا طريق التدليس ، والإفراط والتفريط ، وإن تعجب فعجب تصرف البعض من هؤلاء ، حيث يضع على صفحته صورة لكتاب صحيح البخاري ، ليقنع الناس أنه بخاري في منهجه ، مع أن منهج البخاري منهج علمي ، يثير التفكير ، وينصر الفقيه الباحث عن الرأي الراشد بطريقة تتبع المنهج العلمي في الاستقراء ، واستثارة النص ، ومن التنكر للبخاري استثمار اسمه وصور كتابه ، لتعظيم أراء ما قالها البخاري ، ولم يعتمدها ، ومن أراد الاستزادة فليفكر في الآتي :-
أولا : لمَ يكرر البخاري العشرات من الأحاديث ؟ ، والتي يظنها البعض أنها لمجرد التكرار فقط .
يكشف لنا هذا التكرار ، جهد البخاري الكبير في الاستنباط ، ،والدراسة الموضوعية المستفيضة التي قام بها للحديث النبوي ، مثال حدبث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (رواه البخاري ) وذكره أول صحيحه وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه قصد بتأليفه الصَّحِيح وَجه الله تَعَالَى ( عمد القاري للعيني 1/22) .
ولكنه عاد ورواه في مواطن عدة أخرى ، مثل كتاب الإيمان باب: ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، بمعنى أن الإيمان قول وعمل ، والعمل منه الفرض ومنه المستحب ، ومنه المباح ومن لطائف البخاري أنه أشار بذلك إلى أن الأعمال تتحول بالنية الصادقة إلى طاعات فأورد ما يدل على ذلك قوله صلوات الله عليه «إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة» (رواه البخاري ومسلم ) وكذلك أورد حديث النية في كتاب الأيمان والنذور لأثر النية في تحديد قصد الحالف والناذر ومثاله "لو نذر أن يهدي هديا، ونوى بهيمة، أو جديا، أو رضيعا، أجزأه".(روضة الطالبين للنووي ) وما ذكرته في حديث النية كمثال وليس للاستقراء التام لمنهجية البخاري وما فيه من التراجم الَّتِي حيرت الأفكار وأدهشت الْعُقُول والأبصار"(فتح الباري لابن حجر )
ثانيا عرض البخاري لبعض المسائل بطريقة هل على شكل سؤال يحرك الفكر
من وسائل البخاري لإثارة التفكير أنه يضع عنوانا يبدأه ب (هل) ، وذلك لبيان أن الحديث في مسألة تنوعت فيها الاجتهادات ، وأن الموضوع بين الجواز والمنع ، ولكل دليل وأن من بين ما يستدل به المجيز أو يمنع حديث الباب مثال ذلك ما أورده البخاري في موضوع تسمية المسجد باسم شخص باب: هل يقال مسجد بني فلان؟ فعن عبد الله بن عمر، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء، وأمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق» لبيان أن هذا لا يتعارض مع وقفية المسجد ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ إِضَافَةِ الْمَسَاجِدِ إِلَى بَانِيهَا أَوِ الْمُصَلِّي فِيهَا ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ جَوَازُ إِضَافَةِ أَعْمَالِ الْبِرِّ إِلَى أَرْبَابِهَا ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ فِيهِ احْتِمَالًا إِذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ عَلِمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْإِضَافَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا حَدَثَ بَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِيمَا رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ وَيَقُولُ مُصَلَّى بَنِي فلَان لقَوْله تَعَالَى وان الْمَسَاجِد لله وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي مِثْلِ هَذَا إِضَافَةُ تَمْيِيزٍ لَا مِلْكٍ(فتح الباري لابن حجر)