جبال البلقاء الاخباري: أخذت هذا العنوان من قوله تعالى :" من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون "(الروم :44) ، ورد في الآية الفعل يمهدون ، وهو من التمهيد ، والتهيئة ، وفيه معنى التخطيط الصالح مستقبل الأيام ، جاء في تفسير الطبري : "يقول: "فلأنفسهم يستعدون ، ويسوون المضجع ليسلموا من عقاب ربهم، وينجوا من عذابه، كما قال الشاعر:
امهد لنفسك حان السقم والتلف ... ولا تضيعن نفسا ما لها خلف"
فالفعل يشير الى أنهم وطنوا انفسهم على الاستعداد لليوم الآخر بالعمل الصالح، قال ابن جزي :" أي يوطنون ، وهو استعارة من تمهيد الفراش ونحوه ، والمعنى أنهم يعملون ما ينتفعون به في الآخرة "
وورد الاهتمام باغتنام الوقت ، وفرصة الشباب ، وفتره الصحة ، في الشرع الشريف الذي دعا الى اغتنام كل ذلك في طاعة الله ،والتقرب اليه ، واعمار الكون بما يرضي رب العالمين ، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام " لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " (رواه النسائي في السنن الكبرى )
ويعلمنا النبي صلوات الله وسلامه عليه أن نغتنم ما وهب الله لنا من عطايا وتكريم فيما يحبه الله ورسوله، فعندما نقرأ قوله عليه الصلاة والسلام «لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة» ( رواه البخاري ومسلم) ففي هذا الحديث بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، ورأفته بهم ، واعتنائه بالنظر في مصالحهم المهمة ، فأخر النبي صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجاتهم (شرح النووي على مسلم ).
وفي ذلك تعليم للمسلمين أن يفكروا في زيادة أجورهم في آخرتهم ، واغتنام ما منحهم الله من نعم ، وشكر الله عز وجل عليها ، بتوظيفها فيما أرد الله سبحانه، وبذلك يتمكن أهل الإيمان من إعمار الأرض ، ويحاصرون الفساد ، ويحققون مصالحهم ، ويحافظون على حياتهم ، ويلقون عند ربهم التكريم ، ودخول الجنات ، ويفوتون بذلك الفرصة على أهل الفساد ، ويحولون بينهم وبين الاعتداء على الانفس ، والاعراض ، والوطن ، والأموال .
وبغفلة المسلمين عن ذلك لا يستغرب ضياع أمرهم ، واستقواء أعداءهم عليهم ، واحتلال ارضهم ومقدساتهم .
ما اجمل التعبير القرآني الذي يستشرف المستقبل ( يمهدون ) والذي اذا تفاعل معه المسلمون اغتنموا كل فرصة ، وشكروا كل نعمة ، وحافظوا على كل قوة تحفظ لهم حياتهم ، وكرامتهم ، وأوطانهم. .