جبال البلقاء الاخباري: يكثر في القرآن الكريم الدعوة للتعقل ، والتفكر ، وموازنة الأمور بالعقل المستنير ، فالشريعة تقدر العقل ، وتدعو لإعماله ، والعقل مناط التكليف ، قال تعالى :" كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون (البقرة / 242) وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام :" رفع القلم عن ثلاثة، عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم»( رواه أبو داود )
وتحدث علماء الإسلام وكذلك الفقهاء عن عظيم نعمة العقل ، ، وعدم إزالته حتى ولو بعدوان من قبل صاحبه ، فحرمت كل مادة تذهب بالعقول ، قال الغزالي :" وَمَقْصُودُ الشَّرْعِ مِنْ الْخَلْقِ خَمْسَةٌ: وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَنَفْسَهُمْ وَعَقْلَهُمْ وَنَسْلَهُمْ وَمَالَهُمْ، فَكُلُّ مَا يَتَضَمَّنُ حِفْظَ هَذِهِ الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ، وَكُلُّ مَا يُفَوِّتُ هَذِهِ الْأُصُولَ فَهُوَ مَفْسَدَةٌ وَدَفْعُهَا مَصْلَحَةٌ. ( المستصفى للغزالي 1/173) ، وذكر الماوردي وغيره اعتزاز الأدباء والشعراء بالعقل ومنه قول بعضهم
إذَا تَمَّ عَقْلُ الْمَرْءِ تَمَّتْ أُمُورُهُ ... وَتَمَّتْ أَمَانِيهِ وَتَمَّ بِنَاؤُهُ
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ، وَهُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَسَّانَ:
عِيشُ الْفَتَى بِالْعَقْلِ فِي النَّاسِ إنَّهُ ... عَلَى الْعَقْلِ يَجْرِي عِلْمُهُ وَتَجَارِبُهْ
في بداية العام الهجري الجديد ( 1444هجري) نستذكر بأن لهجرة إنجاز عظيم ، نستلهم منه كيف كان للتفكير السليم ، والتخطيط المستند للعقل الأثر الكبير في حصول التوفيق الرباني ، حيث وصل النبي صلوات الله عليه إلى طيبة ، وتراجع أهل الضلال في خيبة ، مع أنه صلوات الله عليه محفوظ من ربه ، لكنّه يعلم أمته أن سبيل النجاح يعتمد مواجهة الأزمات بالتخطيط ،واستثمار الزمان والمكان ، ومثال ذلك ما جاء في حديث الهجرة من أهمية الشباب العاقل في المساهمة في نجاح الهجرة ، ومنه موقف عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما والذي كان :" يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا، يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ ( رواه البخاري) فانظر إلى استثمار طاقة الشباب العاقل في الهجرة ، ولا ننسى موقف بنت الصديق أسماء ذات النطاقين ؛ لأنها قسمت النطاق إلى نصفين لتربط طعام النبي صلوات الله عليه ، وطعام والدها الصديق ، والنصف الثاني لتلبسه ، فعلت ذلك بدقة ، وكانت تذهب به إلى غار ثور و تتحمل الصعود والنزول ، وتحذر من شدة الطلب ، ونجحت فيما تم توكيلها به .
أترك لعقل القارئ أن يستنتج بنفسة من حادثة الهجرة حضور العقل وفعل العقلاء فيها ، المواقف كثيرة وما علينا إلا الاستلهام منها .