جبال البلقاء الاخباري : أكّد الهدي النبوي ما جاء في القرآن الكريم من أحكام ، وأخلاق فردية ، ومجتمعية ، فعملت سنّة النبي صلوات الله عليه على تأكيد منظومة الأخلاق ، وعملت على تحبيب الناس فيها ، وبيان التخلق بالفضائل ، والتخلي عن الرذائل .
ومن أمثلة ذلك عناية البخاري في كتابه الصحيح بجعل كتاب للأدب ، مع أنه أفرد كتاباً خاصاً في هذا الموضوع ، سمّاه الأدب المفرد كما يعرف ذلك أهل البحث والعلم .
ولا ريب أن ذلك يؤكد لنا حرص بناة الحضارة الإسلامية على عملية ضبط أحوال المجتمع ، وأنه لا تستقيم أموره إلا بقيامه على المحبة ، والسّلم المجتمعي بداية من الأسرة ، وفي تصرفات الإنسان مع أهله وجيرانه ، ومع عموم الناس الموافقين ، والمخالفين له .
واشْتَمَلَ كِتَابُ الْأَدَبِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى مِائَتَيْنِ وَسِتَّةٍ وَخَمْسِينَ حَدِيثًا ( فتح الباري لابن حجر ) فنحن أمام العشرات من الأحاديث النبوية الداعية للتماسك الأسري ، وأنه مما ينبغي أن يكون محل اهتمام عند الشخص الحذر مما يلحق الإساءة بأسرته ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ» ( رواه البخاري) .
وتؤكد الأحاديث النبوية على ضرورة إقامة العلاقات السّلمية بين الأقارب ، وأن يكون هذا السّلم ابتغاء مرضات الله ، وقيام العلاقات على التراحم والتكافل ، وليس على المصالح الفانية ، يقول المبعوث رحمة للعالمين : «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» ( رواه البخاري )
يربي الهدي النبوي النّاس ليتجهوا لمنفعة بعضهم ، وخاصة أهل الحاجة والفقر ، وتعزيز الفكر الإيجابي الذي ينهض بهمة صاحبه تحت شعار (أنا نافع ومحب لمجتمعي ويستحيل أن أكيد له ) ، هذه السلمية ، والصحة النفسية التي يجليّها لنا النبي صلوات الله عليه بقوله :" عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيَأْمُرُ بِالخَيْرِ» أَوْ قَالَ: «بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ» ( رواه البخاري) .طبّق النبي صلوات الله عليه هذا الذوق الرفيع وهو سيد المرسلين وخير قدوة للمقتدين يقول أحد صحابته واسمه جرير البجلي مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي ( رواه البخاري)