جبال البلقاء الاخباري:
(عن أبي هريرة رضي الله عنه،قال : كُنّا نمشي مع رسول الله صل الله عليه وسلم،فمررنا على قبرين،فقامَ فقُمنا معه،فجعل لونُه يتغيَّر حتى رَعَدَ كُمُّ قميصه،فقلنا : ما لَكَ يا رسول الله ؟ فقال : أما تسمعون ما أسمَعُ ؟ فقلنا : وما ذاكَ يا نبيَّ الله ؟ قال : هذان رجلانِ يُعذَّبان في قبورهما عذاباً شديداً في ذنبٍ هَيِّنٍ،قلنا : فيمَ ذاك ؟
قال : كان أحدهما لا يستنزِهُ من البول،وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه،ويمشي بينهم بالنميمة . فدعا بجريدتين من جرائد النخل،فجعل في كلِّ قبرٍ واحدة،قلنا : وهل ينفعهم ذلك ؟ قال : نعم يُخفِّفعنهما ما دامتا رطبتين). رواه ابن حبّان في صحيحه.
1. التعريف :
عذاب القبر ثابت بالسنة،وهو حقٌّ عند عامة المسلمين،لورود أحاديث صحيحة فيه . ومنها هذا الحديث . وبعض المذاهب الإسلامية قديماً وحديثاً تنكر عذابَ القبر بحُجّة أن حديثه ليس متواتراً، بل حديث آحاد،ولكنَّ ذلك لا ينفي أبداً عذاب القبر لما أشرتُ إليه قبلاً من وروده في أحاديث صحيحة سواء في ما وردَ في هذا النص أو غيره . وكما قال بعض العلماء كالشافعي رحمه الله : إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي . وأحاديث عذاب القبر صحيحة على كل حال .
2.المعاني :
رعد كُمُّ قميصه : اضطربَ طَرف رِدْنِه من شدّة التأثُّر . ذنبٌ هيِّن : يسير اجتنابه لو قَصَد صاحبه ذاك أو أراده . لا يستنزه : لا يطهِّرُ نفسه من آثاره بشكل كامل . النميمة : نقل الأخبار بين الناس بما يُفسِدُ ذات بينهم،أو يُسبِّب لهم الأذى . جريدتين رطبتين : غُصنين من النخل خضراوَيْن .
3. ما يستفاد من الحديث :
أ- كل ما في الكون من معالم أو آثار يصلح أن يكون موضوع درس للتربية والتعليم كشأن القبور،فلأهلها عند المرور عليها تحيّة،وفيهم عِبرة وعِظة .
ب- وجوب عدم اللاأبالية في النظر إلى الأشياء كاستصغار الذنوب،فالصغائر إذا استصغرت تحوَّلت إلى كبائر،وإذا استعظِمَت مُحِيَت أو غُفِرَ لأصحابها .
ج- الإسلام دين التحرُّز من النجاسات ماديةً كانت كالبول أو معنوية كالنميمة . وعلى المسلم أنْ يأخذ نفسه بالحزم والعزيمة في التبرُّؤ منها حالاً دون تسويف أواستهانة .
د- عِظم منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربّه،إذ كشف عن بصيرته فأسمَعه عذاب أهل القبور وتأثره الشديد بذلك
هـ- في الحديث إثبات عذاب القبر،وهو ثابت بأحاديث عديدة صريحة وإنْ كانت آحاداً . أما في القرآن فثابت تلميحاً،ويُستشهد على ذلك بقوله تعلى : (النارُ يُعرضون عليها غُدُوّاً وعَشِيّاً،ويوم القيامة أدخِلُوا آل فرعونَ أشدَّ العَذاب)
و- المسلم رؤوف بإخوانه المقبورين،يُحيِّيهم ويسعى للتخفيف عمّا هم فيه بالدعاء
لهم،وبأيِّ شيءٍ يُعِينُ على ذلك كوضع جريدِ النَّخيل (سَعَفُهُ) الأخضر على تُرَبِهِمْ .