جبال البلقاء الاخباري:
خاطب الله أصحاب العقول للنظر والتدبر في آيات كتابه المبين ؛ ليقفوا على عظمته وهدايته ،ويسعدوا بالعمل بما ورد في هذا الكتاب الذي لا ريب فيه ، لأنه يمنحهم راحة الروح والبدن ، ويحقق إنسانيتهم وكرامتهم فقال تعالى : أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ً (النساء : 82) ومن باب التوسع في الإيضاح أقف مع ما ورد في تفسير الشيخ المراغي شيخ الأزهر في زمنه ،عند حديثه حول الآية السابقة قال رحمه الله في بيان تقرير أن يكون القرآن من عند الله لا من عند غيره وذلك لأسباب كثيرة:
1) أن أي مخلوق لا يستطيع تصوير الحقائق كما صورها القرآن بلا اختلاف ولا تفاوت في شيء منها.
2) أنه حكى عن الماضي الذي لم يشاهده محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقف على تاريخه، وعن الآتي فوقع كما أنبأ به، وعن الحاضر فأخبر عن خبايا الأنفس ومكنونات الضمائر كما أخبر عما بيتته هذه الطائفة (المنافقين )مخالفا لما تقول للرسول أو ما يقوله لها فتقبله فى حضرته ،وترفضه فى غيبته.
3) أن أحدا لا يستطيع أن يأتي بمثله فى بيان أصول العقائد وقواعد الشرائع وسياسة الشعوب والقبائل مع عدم الاختلاف والتفاوت فى شىء من ذلك.
4) أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله فى سنن الاجتماع، ونواميس العمران، وطبائع الملل والأقوام مع إيراد الشواهد وضرب الأمثال، وتكرار القصة الواحدة بالعبارات البليغة تنويعا للعبرة، وتلوينا للموعظة، واتفاق كل ذلك وتواطئه على الصدق، وبراءته من الاختلاف والتناقض.(من تفسير المراغي بتلخيص )
ولكن للأسف الشديد عند ضعف دراسات علوم الآلة(وهي اللغة وعلم البان والمعاني ) لفهم القرآن الكريم، وضعف معرفة العربية وأساليبها البلاغية والبيانية ، تسبب هذا في ضعف التفاعل مع القرآن الكريم ، فوقع البعض في ترك فروض الأعيان ،والكفايات ، أما الخصوم فاستغلوا ذلك في التشكيك ،وإيجاد المزيد من العزلة بين المسلمين وبين كتابهم الذي هو سبب رفعتهم ونهضتهم ، قال تعالى: " لقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" (الأنبياء :10) فعمل أهل التشكيك بالغدو والآصال على افتراء الشبهات ،وجمعها ،وحشدها ،وأجلبوا على المسلمين بخيلهم ورجلهم ، فركبوا كل مركب ليفتنوا الناس عن دينهم ، ومن أمثلة ذلك ما أتى به بعض المنكرين في العصر الحديث من الاستغراب حول بعض الآيات من حيث المناسبة والتناسب، فيتكلمون في مثل هذه الموضوعات وهم يظنون ظن السوء ، بدون تذوق كما ينكر الفم طعم الماء من سقم ،فمثلاً قوله تعالى : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (البقرة:238 ) قال بعض المنكرين إن الآيات السابقة واللاحقة لهذه الآية تتكلم عن مسائل الزواج ،والطلاق ،وشؤون الأسرة ،فما شأن موضوع الصلاة في هذا الباب ، ولكنهم لو تأملوا لوجدوا ما للصلاة من أثر كبير في وجود التماسك الأسري؛ لأنّ الصلاة تنهى الظالم عن ظلمه ،وتشعره بالهيبة من خالقه فتنقله من مرحلة الخصام والعدوانية ،والتي تكون أسوء ما تكون بين الأزواج ،وتنقلهم بذلك أيضاً إلى حالة من الإنسانية ،تنضبط فيه تصرفاتهم ،فيتعاشرون بالمعروف ، فتكون الصلاة بهذا المعنى صمام أمان للتماسك الأسري ،فما أحوجنا للوعي بهذا حتى نكون ممن يفهمون مقاصد القرآن، ولا نكون كمن حالهم
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول