جبال البلقاء الاخباري (اشرف الشنيكات) : عندما تتحدث او تكتب عن الشيخ عقاب ابو رمان رحمه الله لا بد وان نتوقف مطولا كي ننتقي الكلمات التي ترتقي الى مستوى من نكتب عنه، فالشيخ ابو صقر هو ابرز رجالات الاردن بما عرف عنه من حنكة وحكمة وبصيرة وسداد رأي، رجل ينطبق علية صفة "شيخ القوم خادمهم" فقد كان رحمه الله كريما متفانيا في خدمة ابناء عشيرتة وخدمة الناس جميعا ومن كافة فئات المجتمع ، وامتلك شخصية محببه قريبة من الصغير والكبير والغني والفقير.
ان السيرة الزاخرة والمليئة بمواقف الشهامة والرجولة التي يمثلها الشيخ عقاب ابو رمان رحمه الله تعود بي الى المثل الصيني الذي يقول ((إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحا ، وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة . أما إذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع رجالا)) وهكذا هو من نتحدث عنه بمداد الفخر والاعتزاز ليكون وسيبقى للابد في ذاكرة الوطن وابناء الوطن ، لان الشيخ عقاب وامثاله احياء برغم رحيلهم عنا....
قال عنه الكاتب عمر كلاب في مقال (حــلاوة الــرمــان وعْقابهــا)
"عقاب ابو رمان من طينة عجيبة بدأنا نفقد ذائقتها ولا نجد من يملأ مكانها ، فتلك اجيال نخسرها دون تعويض ولا نملك الا الدعاء لها بالرأفة من الخالق ، فكل ما عاشه الشيخ عقاب كرم ورجولة ، كان يقتنص لحظة الفرح ويقتنص الضيف لاكرامه كصقر يقتنص فريسته ولذلك كان اسم بكره صقر ، فطابق الحال الواقع في حالة نادرة ، كان اسمه شرفا وشرفه لقبا وكان يرسل الحكمة على شكل دعابة والدعابة درس وموعظة ، وكانت الجلسة معه شهادة جامعية بحد ذاتها"
وقال عنه النائب الدكتور علي الحجاحجه (في وداع قامة سامقة الشيخ عقاب أبو رمان)
كلما غادرتنا قامة سامقة، أو حكمة جليلة، أو خبرة نوعية طويلة، أو عقل راجح أو عطاء حافل .. اعتصرت القلوب ألماً وألِمت الجوارح وذرفت الأعين الدمع مدراراً، و عجزت الكلمات وتزاحمت التعابير وتعطل الوصف وتاهت من بين شفاهنا الحروف. بالأمس القريب، كان الموقف مهيباً، والمصاب جلل، والفقدُ عظيم، فارتسمت على وجوه القوم تعابير صَعُب تفسيرها فاختلطت بين هول الصدمة وعِظم الخسارة وتعبيرٍ عن فرحٍ لتلك المكانة العظيمة والتاريخ الحافل بالعطاء، وحزن على خسارتها بين عشية وضحاها.!!
حين ودعنا العم الغالي والشيخ الجليل ورجل بمكانة ورجاحة وغزارة وأصالة وثقافة وشهامة أبي صقر، أستحضرت – كغيري – من جمهور المحبين – وهم كثر – تلك القائمة الطويلة من مواقف الرجولة الفطرية والشهامة العفوية والثقافة الغزيرة التي استقاها من مدرسة الحياة، استذكرت كلماته الموزونة المليئة التي كان (يعدّها عدّاً) على مسامع الحاضرين في لقاء صلحٍ أو بناء أسرة أو تقريب فرقاء، فيستمع الجمع بكلهم، فتتلاشى كثير من الشهادات وتتوارى كثير من الألقاب، لأن المتحدث حري به إن تحدّث أن يُسمع وإن خطب أو أشار أن يجاب إحتراماً لتلك المهابة المعززة بالحجة وحسن المنطق.
أما وقد غادرتنا أيها العم الغالي والشيخ الجليل لحكمة أرادها (الكريم) فعزاؤنا فيمن خلّفت بعدك من الأفذاذ الكرام، فعهدنا بهم (خير خلفٍ لخيرِ سلف)، كيف لا وقد تتلمذوا على يديك وتخرجوا من مدرستك ونهلوا من معين عطاءك الوافر الذي ما بخلت به على أحدٍ ولا كففته عن مستزيد، وهذا شأن الكرا، من صاحبهم ورافقهم نال من قربهم (كحامل المسك)، وعزاؤنا بك أننا ما وضعناك في حفرة ولكننا سلّمناك لكريم رحيم عزيز، وعزاؤنا أننا ما فقدناك وفي أمثالك قالوا: (كن رجلاً إن أتوا بعده يقولون مرّ وهذا الأثر) فالأثر باقٍ والبصمات واضحة، وعزاؤنا أنك المعني بصدر ذاك البيت: وكم رجل يعدّ بألفِ رجلٍ وكم ألفٍ يمرون بلا عداد.
وعزاؤنا أنّ الله أكرمك في الدنيا بسعيك الدؤوب وهمتك العالية بأن اختصك لإصلاح ذات البين ذو الأجر العظيم، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، .....)
. أيها الشيخ الجليل، لقد علمتنا أن قيمة المرء بعطائه وجميل خصاله وطيبِ فِعاله، ونقاء سريرته وصدق قوله وإخلاص عمله (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وكأني بلسان حالك يسبق مقالك وأنت تصرخ في آذان اولئك المتشبثين بهذه الفانية والغارقين في سفاسفها أن: ارتقوا، فمكانكم هناك على تلك الروابي وعلى رؤوس القمم والجبال ولا ترتضوا لأنفسكم غير ذلك.
أيها العم الجليل، نم قرير العين واهنأ فأنت في ضيافة الكريم، وقد سبقك الى ضيافته (هناك) ثلة من صحبك الأخيار، الذين تحبهم ويحبونك، وطالما افتقدتهم، وفاءً منك، وأظنها –أيضاً- غربة شعرت بها بعد أن أجدبت الأرض من تلك القمم الشامخة – الإ من رحم ربي- فأكرمك الله كذلك فألحقك بصحبك وأنت بقمة عطائك ، بعد أن أيست منك السنون، فما وَجَدت الى همتك العالية سبيلاً وما استطاعت منها نيلاً، إذ ما زالت تطرق أذناي تلك العبارات التي قلتها في آخر أيامك وأنت تخطب عروساً لابن عمٍ لي – فأنت صاحب البيت أينما حللت - فنظمت شعراً وغَزَلاً وحكمة، فأسرتَ الحضور فكانوا يستمعون القول وكأن على رؤوسهم الطير. ولا أملك وأنا أسطر هذه الكلمات المتواضعة بحقك الإ أن أسأل الله العظيم لك المغفرة والعتق من النار، وأن يجمعك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يجعل البركة فيمن تركت، والحمد لله رب العالمين.