الخميس , 30 تشرين الثاني , 2023 :: 10:02 م
التمكين كمفهوم قرآني.. الدكتور علي الصلاحين
جبال البلقاء الاخباري:وقد وردت كلمة التمكين ومشتقاتها في القرآن الكريم في الصيغة الفعلية التي يبدو فيها التمكين كأنه صيرورة وليس مفهوما ساكنا، وفيها ينسب الله تعالى التمكين إلى ذاته العليا؛ فهو وحده من يمكن للإنسان وليس الإنسان من يمكن لذاته فردًا كان أو جماعة. وتُظهر الآيات القرآنية وجود علاقة ارتباطية وثيقة بين مفهومي التمكين والاستخلاف؛ فالله تعالى يقول (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) وفي الآية يبدو الاستخلاف في الأرض سببًا لعملية التمكين في الدين ويكون التمكين نتيجة مترتبة على عملية الاستخلاف، وتشير الآيات كذلك إلى أن التمكين مثلما يتحقق في المستوى الجمعي فإنه يتحقق في المستوى الفردي؛ فالله عز وجل يقول (ولقد مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء). يمكن التمييز بين صيغتين قرآنيتين من صيغ التمكين في القرآن؛ الأولى التمكين للإنسان في الأرض، والثانية التمكين للشيء (الدين، والقوة، والمال..)، في الصيغة الأولى يتم التمكين عبر المستوى الحسي المادي، وفيه يتم تمكين الإنسان من التصرف في الأرض ويُمنح القدرة على جعلها مستقرا ومعاشا (الوظيفة الاستخلافية)، فيقول الله تعالى “ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون”، ويندرج تحته تمكين المال والقوة والنسل “ولقد مكناهم فيما إن مكناكم ” وفي الصيغة الثانية يتم التمكين عبر المستوى الروحي؛ حيث يفضي التمكين للدين إلى تحقيق الأمن للإنسان، وهو ما يتجلى في قوله تعالى “وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم بعد خوفهم أمنا” وبتضافر هذين المستويين تتحقق تكاملية عملية التمكين في بعديها المادي والروحي؛ فالتمكين ليس عملية مادية يتحقق فيها إعمار الأرض بالوسائل المادية لكنه أيضا ضمان الأمن النفسي والروحي للإنسان.
|