جبال البلقاء الاخباري: (سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر) .
حدث للمشركين في يوم بدر، حيث أذلَّهم الله، فقتل منهم مَنْ قتل، وأسر مَنْ أسر، وانهارت سيادتهم وضاعت هيبتهم، وقد كانوا يُعذِّبون المؤمنين ويقتلونهم، ويقيمونهم في حَرِّ الشمس ويضعون الأحجار الكبيرة فوق بطونهم، حتى أنزل الله تعالى في هذه الحالة القاسية التي يعانيها المؤمنون ،فيستقبلون الآية بتعجُّب: حتى يقول عمر رضي الله عنه أيُّ جمع هذا الذي سيُهزم ونحن نعذب مساء وصباحا ولا نقوى على مقاومتهم فقد اجتمعت قوى الكفر الثلاث قريش والبدو ويهود ، فليس هناك أيّ بادرة لنصر المؤمنين، فلما جاء يوم بدر ورأى المؤمنون ما حاق بالكافرين قال عمر نفسه: صدق الله، سيُهزم الجمع وقد هُزِم، وتعالت أصواتهم بالبكاء وارتفعت بالجأر لقوله تعالى: (إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ) يجأر: يصرخ بصوت عالٍ، والإنسان لا يصرخ إلا إذا كان في محنة لا تقدر أسبابه على دفعها، فيصرخ طلباً لمن ينجده، ويرفع صوته ليُسمِع كل مَنْ حوله، كما يقولون(يجعر) وما أشبه اليوم بالبارحة وقد جأر جنود العدو الصه....يوني بالبكاء وكانت أصوات بكائهم مثل الخوار يعني: يصيحون مثل العجول بعد ما كانوا رجالاً وسادة وطغاة ، فلماذا لم تظلّوا سادة، لماذا تصرخون الآن؟ وكان المنتظر منهم في وقت الشدة أنْ يتماسكوا ولكن هيهات، وأن يتجلّدوا حتى لا يشمت بهم العبيد والفقراء الذين آمنوا سابق أو ما يسمى العرب والمسلمين الأن ، كما يقول الشاعر:
وتجلُّدِي للِشَّامِتينَ أُرِيهُمو ** أَنِّي لريْبِ الدهْرِ لا أتضعْضَعُ
لكن، هيهات فقد حاق بهم العذاب،والمكر السيء لايحيق الا بأهله ولن يخدعوا أنفسهم الآن، فليس أمامهم إلا الصراخ يطلبون به المغيث والمنجي من المهالك،ثم يقول الحق سبحانه: {لاَ تَجْأَرُواْ اليوم إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ}.يرد عليهم الحق سبحانه: {لاَ تَجْأَرُواْ اليوم..} لأن مَنْ يجأر ينادي مَنْ ينصره وأنتم لن تُنصروا {إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ} لا تُنصرون من جهتنا؛ لأني أنصر أوليائي، وأنصر رسلي، وأنصر مَنْ ينصرني، فاقطعوا الظن في نصري لكم؛ لأنني أنا الذي أنزلتُ بكم ما جعلكم تجأرون بسببه، فكيف أزيله عنكم؟
وفي موضع آخر يتكلم الحق سبحانه عن أهل الكفر الذين تمالئوا عليه، وشجّع بعضهم بعضاً على التجرّؤ على القرآن وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويُصفِّقون لمن يخوض في حقهما: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله فاهدوهم إلى صِرَاطِ الجحيم وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ}
إذن: لا تجأروا لأنكم لن تُنصروا مِنّا، وكيف ننصركم بجؤاركم هذا، وقد انصرفتم عن آياتي وحاربتم رسلي واحتليتم وقتلتم ولم تميزوا بين صغير او كبير وارتكبتم المجازر ولم تراعوا حق الله ولاعباده؟ .